مصطلحات ايام التنور الحلقة الثانية

من طرف رجل العادات الجمعة أغسطس 29, 2008 12:55 am

لم تكن البيوت مبنية من حديد , مرت فترة طويلة قبل ان تستبدل سواري الخشب المتقوسة بجسور من حديد , ولكن البيوت كانت قوية وحنونه , من تراب ارضهم وحجرها وتبن احمر من بيادرهم , يزيدها قوة تلاصقها ببعضها فالمقياس الذي يقاس فيه حجم الازقة بين البيوت كان (ممر حمار) أي ان تترك مسافة كافية في الزقاق ليستطيع الحمار السير فيها

تلاصقت البيوت فتلاصقت القلوب وحزنت كل القرية على موت زينب وعم الحداد شرقها وغربها وكأنهم اسرة واحده وراح كل حديث القرية لايام طويلة عن مأثر زينب والدعاء بالرحمة لها والكل يجهد عقله في التفكير عن مصير المولود الجديد وكيفية اخراج ابو خلف من حزنه
ـــ اسمعني يا ابو خلف
رمى ابو خلف راسه محدقا في النار ولم ينظر الى وجه محدثه أبو عبدلله ذالك الرجل الذي يعد من حكماء القرية لكبر سنه الذي اورثه خبرة واسعة في الحياة ثم رد عليه :
ــ هاظني سامعك ابو عبدلله
فرد ابو عبدلله:
ــ لا مش سامعني ... العيون مغاريف الحكي .. اتطلع فيّ
مل ابو خلف كل جمل التعزية والحث على الصبر ومل من كل الاحضان الباردة الي ما تفتأ تحتضنه بدفء شديد ومل صوت الضرب على ضهره ولم يبقى احد في القرية الا وقبّله الف مرة معزيا بوفاة المرحومه حتى تعب من جلوسه في المضافة ليل نهار وهو يودع ويستقبل جموع المعزين ومل من النظر الي عيون الناس المليئة شفقةً وحزنا فهرب من عيون ابو عبدلله الى لهيب النار الي امامه فهي اكثر تعبيرا عن الحالة التي في داخله فلم يفلح في الهروب فأرجعته الكلمة الحكيمة الى عيون عبدلله فلمح فيهما شيء مختلف وقاطع فضوله دخول فوج اخر من المعزين وخروج اخر ليفسح المكان ولما استقرت المضافة بعد كلمات المجاملات الكثيرة بدأ الشيخ ابو مياس بترتيل ايات من القرأن والكل راح يستمع بخشوع حتى وصل الشيخ للدعاء للمرحومة فراح الكل يردد امين ثم قال ابو مياس :
ــ وحدّوا الله
فراح الكل يردد وبصوت واحد وبنغمة واحدة حزينة
ـــ لا ااااا اله الا الله , لااااااله الا الله , لاااااااله الا الله
كان نشيد يطرب حتى الجدران الحنونه ,كان ذالك التهليل الحزين احسن تعزية لابي خلف فيروح يهلل وهو يهز رأسه فيسقط حزنه دموعا من عيونه ولمّا يرى المهليلين دموع ابو خلف تزيد النغمة حزنا وتزداد الدموع
ويستمر التهليل ويزداد صوت المزراب قوة فقد راحت السماء تشارك اصدقائها حزنهم فراح المزراب يهلل ظل الجميع ينشد بالتهاليل ويتمايل حتى دخل الشيخ بصوت اعلى من الجميع بالتهليل معهم :
لااااااله الا الله , لااااااله الا الله , لاااااله الا الله . ثم اسكت الجميع بوصلته الختامية سائلا الجميع بكلام منغم :
ــ اوهبتم جزاء ما تحصل لكم من الاجر لروح اختكم المرحومه زينب ؟
فردد الجميع وبصوت واحد
ـــ اوهبنا .......... ثم قال الشيخ :
ــ اللهم اجعل جزاء ما قرأنا خالص لروح المرحومة وانت غني ان نسميها باسمها
اللهم ارحم من كان الاجتماع بسبه والقرأة من اجله , اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا معصوما وتفرقنا تفرق مرحوما فردد الجميع : امين , امين , امين يا رب العالمين
وقام الجميع يودع ابو خلف بلاحضان حتى لم يبقى الاابو عبدلله فقال ابو خلف
ــ مية اهلن وسهلن بو عبدلله
ــ وبيك ابو خلف , رد ابو عبدلله ثم قال ابو خلف
ــ ايوه ابو عبدلله شو كنت بدك تحكي !
ــ والله عندي موضوع بدي احكيلك فيه , عارف مش مناسب , بس والله هيك لازم , مهو يا ابو خلف الحي ابقى من الميت , وأم خلف الله يرحمها ويجعل مثواها الجنة ماتت احسن موته , شهيده ان شاء الله , الله يرحمها , بس انت كمان لازم تفكر بأبنك وبحالك ما بصير اتظلك هيك , حرام , ما بصير الحداد اكثر من اسبوع , هاي صارلك عشر ايام , اسمعني شو بدي اقلك , انا بدي اعطيك بنتي رقيه هديه ما من وراها جزيه , لا بدي من قدامها ولا من وراها , بتدير بالها عليك وعلى الولد , هيك عادات الناس الي سبقونا , واحنا مش افهم منهم , لانه هيك الصح
لم يجد ابو خلف أي كلمات يرد على هذا العرض السخي فاطرق راسه في الارض حياءً حتى لا يحرج ابو عبدلله باي كلمات غير مناسبه ثم قال :
ـــ تسلم ابو عبدلله, قدّها والله , وسكت الاثنين فترة ثم اسـتأذن ابو عبدلله في الخروج وهو يقول :
ــ انت فكر بالموضوع وردلي خبر , الله يجيب الي فيه خير

يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع