مصطلحات ايام التنور

مصطلحات ايام بوابير الكاز
الحلقة الاولى


أني بس بدي افهم لويش دايما بنص الليل , غير بنص الليل !
قال ابو خلف وهو يروح ويجيء في الغرفة وهو ينظر الى زوجته التي تعاني من مخاض الولاده
أااااخ ... مشان الله ول بدي امووووت
صرخت الزوجة وهي تنظر الى زوجها بكل غضب الدنيا تحمله مسؤولية ما يجري لها
طيب يا مره شوة اسوي ؟ هو اني كل يوم بحبل وبجيب ! قوليلي شو اسوي ؟
عضت ام خلف على طرف الغطاء قهرا والما ونتظارا حتى تمر نوبة الالم ثم قالت:
يا زلم روح جيب الدايه ؟
ولك أي دايه بنص الليل !
يا زلم هو ظل فيها ليل ! مشان الله روح اقعدها والله هسع بموت !
ركض ابو خلف وهو يتناول شماغه وسقط العقال فلم يبالي وخرج الى الازقة يغوص في الطين والمطر
هي (المربعانية ) في (سملين) تلك القرية التي تقع في قلب سهل حوران , والمربعانية هي قلب الشتاء الدافيء عند الفلاحين, حيث تستمر الامطار تتساقط اربعين يوما وليلة على بذور غرسها الفلاح ومع كل بذرة كان يسمي الله , او يدعو يا كريم مع كل كف بذار كان يودعه الارض الوفية التي نادرا ما كانت تعتذر
ــ يا حجّه ... يا حجه عوفه هاظا اني ابو خلف
صرخ ابو خلف وهو يقرع باب الداية بشكل متتابع حتى سمع صوتها من وراء الباب :
طيب طيب ... مين هاظ ... الله يجعله خير
هاظا اني ابو خلف يا حجه .. الحقي المرة بدها تخلّف وما في حدا عندها
ــ خلص... اخيرا...! الله يجيب الخير ... ردت الحجة عوفا وهي تفتح الباب, والحجة عوفه عليمة بكل نساء القرية وتعلم مواعيد حملهن ومواعيد الولادة المتوقعة لكل واحدة منهن وهي منذ ليال طويلة تنتظر زينب فقد آن أوانها, ولكنها كانت تفسر تأخر الولادة لمن يسألها : بانها (بكّريه ) أي ان هذا مولودها الاول وطبعا ( تايريد الله )

*************************************
ـــ أحنا بأي سعد هسع ؟
ـــ أحنا بسعد الذابح , مش شايف الحورة بتقص المسمار ! رد علي على سؤال صديقه محمد وعيناه تجول في سقف الغرفة , فقد شغلته نقاط الماء المتساقطة من السقف المكون من اعواد القصب المصفوفة على سواري خشبية, ثم قال علي
ـــ لا هيك الدلف زاد كثير واحنا بعدنا بأول المربعانيه !
ـــ انت شيدت السقف قبل المربعانيه ؟ سأل محمد
ـــ اه يا زلم لعاد ماأحسني واني مش مشيده قال علي وهو يقوم بأناء ليضعه مكان تساقط الماء الجديد بعد ان حدد موقعه ثم قال :
ـــ والله شيدته بس الحمد لله السنه هاي سنة خير وصارلها كابسه كبسة وحده من اول المربعانيه, والله الحجر بذوب مش الشيد بس ... الحمد لله
ارجع كلام علي المبّشر بخير محمد الى صمته , ورجع علي يراقب ابريق الشاي الذي ما زالت اليد تخبر عن لونه الذي كان ازرقا في يوما ما قبل ان تحرقه النيران
سعد الذّابح ؟ قال محمد في نفسه بعدها يأتي سعد ابلع وبعدها سعد سعود ومن ثم سعد الخبايا .. اه كم هو بعيد سعد الخبايا ! كان للفلاحين علاقة وطيدة بكل فصول السنه حتى اطلقوا على كل فترة من الفصول اسما يعبر عن حالتهم وحالة ارضهم في تلك الفترة
فسعد الذّابح اسم يدل على اثني عشر يوما ونصف اليوم قد احصوها بالضبط
فالمربعانية عندهم لا تأتي الا بالسعادة , وفي هذا السعد سعد الذابح , يزداد البرد حتى لا تكاد اغنامهم ومواشيهم تطيق برده, فتأخذ بالتناقص واحدة بعد الاخرة , والسكّينة جاهزة لادراك ما يتساقط منها بردا, ومع ان علاقتهم بمواشيهم كانت كعلاقة الاسرة الواحدة , فقد توجسوا خوفا من ان يطلقوا على هذه الفترة اسما سيئأ , بكل ما فيها من البرد والمصائب التي تحل عليهم ! فهو اعتراض على حكمة الله, فسموا تلك الفترة سعد الذابح ! استسلاما لقدر الله, والاعتراض على القدر يمنع المطر من السماء , وما الذي يتبقى ان منع المطر بكلمات تأفف ! يا مرحبا بالبرد ومرحبا بقدر الله وقضائه

و سعد بلع هو سعد الارض حين تمطر السماء وتبتلع الارض العطشة كل الماء
وفي سعد سعود ( سعد سعود بتطب الماويه بالعود ) أي تفرش الارض بساطا من سنابل القمح الخضراء وقد ارتوت اعوادها بالماء ومنظر التعب الطويل الذي اثمر كان قمة السعادة في تلك القرية

وسعد الخبايا الذي ينتظره محمد, حيث تسعد الخبايا فيه , وتخرج فيه من مخابئها احتفالا بقدوم الربيع
في سعد الخبايا لن يكون هناك مزاريب وهي المسؤولة عن سقاية البيوت في الشتاء بما تجمعه من احتضان السقوف لماء السماء , وتخزنه براميل تحته , فيريح نساء القرية من الواجب الصباحي في الذهاب الى عين الماء البعيدة عن القرية لاملاء جرار الماء, وقد يصبح المزراب في اواخر الليل عند الرجال حمام في الهواء الطلق !!
اختبئت حبيبة محمد مع العصافير ولن تخرج من بيتها الى عين المحاسي لتملأ جرتها بالماء, ولن تملأ ايضا عيون حبيبها وهي تدبك في احد الاعراس التي اختبئت هي الاخرى, طويل هو الشتاء يا محمد ! فتأفف قائلا :
ـــ حاس الشتويه طولت السنه هاي !
وحدّ الله يا رجل ... ان شاء الله طول السنه شتويه رد علي غاضبا

***********************
دخلت الحجه عوفه الى الغرفة واغلقت الباب خلفها وطلبت من ابو خلف ان يشعل النار ويضع الماء عليه حتى تغسل المولود المنتظر
راح ابو خلف بسرعة ينفذ الاوامر وعاد يطرق على الباب الذي اقفل ولم يفتح
حجه ... شو صار طمنيني !
توكل على الله .. الله معنا ... لا تخاف ردت الحجة عوفه تلك اللحضات القاتلة لم يختبرها ابو خلف من قبل, وليس يدري كيف ستمر! وكيف ستراه يقطع الوقت, والاصوات الخارجة من الغرفة تحمل كل رعب والم الدنيا , وصوت زينب غطى على كل ضجيج الشتاء . بل غطى على صوت البرق والرعد! ومن ثم صار يخف حدة تدريجيا حتى اصبح كالنواح , كمن يحاول الصراخ فلا يجد من الهواء ما يملء صدره , وصوت الحجة يزيد الصورة رعبا وهي تنادي ربها : ياالله ... يا الله ... ياالله , حتى راح ابو خلف يصرخ هو الاخر وهو يبكي يا الله ... يا رب... يا كريم.. ندم ابو خلف على قسوته مع زوجته ووعد بان يعاملها كالاميرات منذ هذه اللحظة , بزغ الفجر ولم ينتهي هذا الليل , جائت نساء الحي يقدمن المساعدة وسكتت السماء عن ضجيجها وامسكت مائها ,حتى السماء راحت تنتظر مع ابوخلف ! وحبست انفاسها مع نساء الحي احتراما لانفاس زينب المتقطعة, واخيرا صرخ الطفل يبشر الجميع بانتهاء هذه الفوضى
بكى ابو خلف, يا الله كم من الدموع نزلت من عيون ابو خلف ! وفرح يا الله كم افرحه ذالك الصوت الباكي ! ما كان يحسب ان البكاء قد يفرحه يوما, فقد قال البكاء ان الم زينب قد انتهى !
اخيرا فتح الباب واشير الى ابو خلف ان يدخل .. ناولته الحجة الصبي وهي تقول له

الله عوض عليك زينب بهاظا الولد
لم يفهم ابو خلف شيئا, هو لا يريد ان يفهم ! نظر الى الصبي يسأله اين امه؟ ونظر الى وجه زينب الساكن والعرق يتصبب منه

عادت السماء تمطر تبكي كما لم تمطر من قبل ,و والصبية كانوا قد استغلوا شروق الشمس للخروج للعب , ولما بدأت السماء تمطر راح الصبية يغنون :

اشتي وزيـدي ........ وبيتنا حديدي
اشتي وملي جرارنا....... والرزق على الله
اشتي وزيدي ......... وبيتنا حديدي

(هذه حياة اجدادنا حتى لا ننساها)


يــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــع